ملكة حلب المنسية الملكة ماوية القوية

ملكة حلب المنسية والتي لايعرف عنها الا القليلين الملكة ماوية .

اذا عدنا للتاريخ القديم نرى كيف ركز الباحثين على تكريس صورة سوداوية قاتمة عن حالة المرأة في عهود ما قبل الإسلام، عبر الإصرار والتركيز على ممارسات محددة ظهرت لدى بعض العرب، من قبيل تعدد الزوجات ووأد البنات. إلّا أنّ استذكار سيرة بعض الملكات العربيات في تلك العهود مثل الملكة ماوية في حلب والملكة زنوبية في تدمر يمكن أن يخفف أو يبدد من هذه الأفكار السلبية.
ظهور الملكة ماوية
ولدت ملكة حلب الملكة ماوية أو ما يدعوها الغرب باللغة اللاتينية الملكة مافيا في الفترة التي أخذت فيها المسيحية بالانتشار بين العرب عام 345م، وتزوّجت من ملك العرب وزعيم تحالف تنوخ، الملقب بـ "الهواري"، قبل أن يتوفى عام 375م، فاستلمت ماوية موقع الحكم من بعده لعدم وجود وريث له.

ينتمي أسلاف ماوية إلى التنوخيين، وهم قبائل عربية هاجرت إلى شمالي شبه الجزيرة العربية وأسسوا هناك مملكة باتت تُعرف فيما بعد بـمملكة تنوخ
وعندما توفي الهواري، اعتقد الإمبراطور الروماني فالنس حاكم الإمبراطورية الرومانية، وقد كان أحد أتباع الطائفة الأريوسية (مذهب مسيحي لم يعد له وجود اليوم)، اضطهد الكاثوليك والأرثودوكس. أن غزو مملكة تنوخ وتنصير شعبها ونشر تعاليم طائفته هناك سيكون أمراً هينا .
صراعها مع روما
عندما دق ناقوس الخطر كانت الملكة التنوخية مستقرة في حلب، وقررت على الفور الانسحاب من المدينة إلى الصحراء حيث يسهل عليها هزيمة أعدائها
وفي ربيع عام 378م، أطلقت مافيا تمرداً هائلاً ضد الإمبراطورية الرومانية، وغالباً ما يتم مقارنته بتمرد ملكة تدمر زنوبيا التي سبقت ماوية بقرن من الزمن.

وأمام التهديد والحشد العسكري الروماني، رأت ماوية أنّ المواجهة العسكرية المباشرة بالصورة التقليدية، جيش مقابل جيش، لن تكون في صالح التنوخيين

لكن عكس ملكة تدمر، قادت الملكة ماوية جميع غزواتها بنفسها وشاركت في القتال إلى جانب رجالها، واجتاحت قواتها شبه الجزيرة العربية وفلسطين ووصلت إلى أطراف مصر، هازمةً الرومان في كل معركة خاضتها ومستخدمةً تكتيكات حرب العصابات الكلاسيكية، إذ اعتمدت على شن الغارات المباغتة والكر والفر، مُحبطةً كل المحاولات الرومانية لوأد التمرد.
وعندما استسلم الرومان أمام جيوشها وعرضوا الهدنة عليها، اشترطت الملكة التنوخية أن يُرسّم الراهب الأرثوذكسي موسى أسقفاً على شعبها.
بناء على شروط ماوية، تم تعيين موسى كأول أسقف عربي للعرب، وبدأت الكنيسة العربية في الظهور بالشرق الروماني.
ولتدعيم تحالفاتها الجديدة زوَّجت ابنتها بقائد نيقية الروماني فيكتور، كما أمدت الروم بالمساعدة في حربهم مع القوط.
ما ذكره التاريخ عنها
اتخذت الملكة ماوية منطقة جبل الأحص الواقع جنوب حلب مركزا لها . وبنت في تلك المنطقة أبراجا وحصونا وقلاعا .

ويُذكر أن المنطقة العربية عاشت فترة من السلام في عهد ماوية التي توفيت في أناسارثا منطقة خناصر الآن شرقي حلب حيث يوجد نقش يسجل وفاتها هناك عام 425 م
وفي هذا النقش المكتوب باليونانية يرد فيه أنها قد قامت ببناء صرح مُخَصّص للقديس توما، ما يوحي بأنها كانت قد تفرّغت لأمور العبادة وابتعدت عن شؤون السياسية بعد زوال ملكها، وأنها ظلّت كذلك حتى وفاتها هناك، في خناصر.

هذا التاريخ المشرق من تاريخنا تخفيها الكثير من الكتب المدرسية وقد يكون السبب أن الكثير من العرب في ذلك الزمان لم تكن تزاول الكتابة ولعل الملكة ماوية لم تكن تتقرب من الشعراء ليكتبوا فيها المدائح وينشروا سيرتها بين القبائل .
لقد ضربت لنا مثالا في العقلانية السياسية والحسابات بعيدة المدى .فكانت تركز فقط على مصالح شعبها . فنرى أن العرب في بلاد الشام أولوا الثقة للنساء في الكثير من حقبات التاريخ أحتاجت الكثير من الأمم غير العربية الكثير لتصل اليه .

د عثمان مهملات