الملكة ضيفة خاتون العادلة ملكة حلب

تعتبر الملكة ضيفة خاتون من بين أبرز الأسماء النسائية فى تاريخ حلب وبلاد الشام وهي ابنة الملك العادل سيف الدين بن أيوب، والتي اتسم عهدها بالعدل ونشر الثقافة والوعى بين رعاياها.
نشأتها.
ولدت ضيفة خاتون داخل قلعة حلب عام 1185م، تقول الأسطورة أنها حين ولدت كان  عند أبيها الملك العادل  ضيف فسماها والدها ضيفة..
خاتون هو لقب للسيدة عريقة النسب والسيدة المهذبة ويطلق على سيدات المجتمع من الطبقة الراقية في بعض البلدان الإسلامية، وهي كلمة تركية مغولية انتقلت الى عدة لغات لعدد من الشعوب الإسلامية وفي مقدمتها العربية وكثيرا ما كانت تطلق على زوجة الخليفة او السلطان   أو وأمه وباقي الأميرات وكذلك على زوجات الوزراء والأعيان والباشوات.
فهى ملكة إبنة ملك وزوجة ملك وإبنها ملك وحفيدها ملك
فوالدها الملك العادل هو شقيق صلاح الدين الأيوبي
زوجها إبن صلاح الدين الأيوبي  الملك الظاهر
وأنجبت ولدًا أسمته "العزيز محمد" أصبح ملكا . 
والذى تزوج وأنجب "الناصر يوسف" والذي أصبح ملكا أيضا .
وكان مهرها خمسين ألف دينار ذهبي ، وهو مبلغ خيالي  في ذلك الوقت وكان جهازها محمولا على ثلاثمائة جمل وخمسين بغلاً ، ومعها مائتا جارية لتخدمها ، أي أن جهازها يحتاج بلغة هذا العصر إلى مئات السيارات نقله. 
فلما أدخلت على الملك الظاهر قدم لها خمسة عقود جواهر ، قيمتها ثلاث مائة وخمسون ألف درهم. 
يبدو ان عادة غلاء المهور والمبالغة في هدايا العرس الذهبية المليك بالحلبي هي عادة متأصلة لدى الحلبيين ، ربما بدأتها ضيفة خاتون ، واستمرت عليها نساء حلب حتى هذا التاريخ.
 .
ورث زوجها الظاهر غازى حكم حلب بعد وفاة والده صلاح الدين الأيوبي؛ فعاشت عمرها كله في حلب.وهنا أحب أن أذكر معلومة تاريخية لا يعرفها الكثير  فالملك الظاهر أحد  أعظم الملوك الذين حكموا في حلب. وله الفضل في نهضتها العمرانية وعلو شأنها . كان من المفروض أن يعيش في دمشق ويحكم من هناك . ولكن غوطة دمشق أجمل ما في دمشق في ذلك الوقت والتي قال عنها أمبراطور ألمانية عند زيارته الشهيرة لها أنها جنة الله على الأرض .جعلته يهرب منها الى حلب  فقد كان الملك غازي مصاباً بالربو وعنده حساسية شديدة من أزهار شجر المشمش والفواكه بحيث لم يستطيع البقاء فيها وفضل هواء حلب عنها .وبهذا فقدت دمشق أحد أعظم الملوك في ذلك الزمان .
توفى زوجها في عام 1216 م، وبعدها انتقل الحكم إلى إبنه العزيز ولكنه لم يدم في الحكم إلا أيام معدودة ثم توفي ليرثه ابنه الصغير الناصر الحكم من أبيه؛ ولكنه كان في سن صغيرة لم تتجاوز الـ 7 سنوات؛ فتسلمت جدته ضيفة خاتون مقاليد الحكم بالوصاية وكانت صاحبة الـ52 عامًا.
الملكة العادلة .
تميزت الملكة ضيفة خاتون أثناء فترة حكمها بالعدل ، لم يأتِ إليها مظلوم إلا ونصفته، لها بصماتها الذهبية في المجالات الاجتماعية والمعمارية والهندسة خفضت الضرائب على المواطنين ومدت  الطرق، اهتمت بالعلوم والأدب وحققت نهضة ثقافية،
كانت شاعرة أديبة بارعة ، بنت جامعتين في حلب منذ ثمانمائة عام ، وتكفلت بجميع مصاريفهما ومصاريف المدرسين والطلاب.
أنشأت ، خانقاه خاتون ، والخانقاه لفظة فارسية معناها البيت ، مكان ينقطع فيه  المتصوف للعبادة،يجمع بين المدرسة والمسجد ليكون مكانا لإيواء الفقراء والمحرومين فكان هذا "الخانقاه" يقدم الطعام للفقراء والمحتاجين، وكان به جناحا مخصصا للنساء الوحيدات والغريبات والزاهدات، لتكون أشبه بدار للنساء المظلومات والضائعات تقدم لهم الطعام والمأوى وتحفظ حقوقهم .وليكون ذلك أقدم بلد في العالم أوجد ما يدعى الآن بيوت النساء .
يقع "الخانقاه" داخل باب الأربعين بمحلة الفرافرة ويسمى بالناصرية.
 وأنشأت مدرسة الفردوس أقدم مدرسة في حلب منذ عام 1235م، وجمعت فيها الفقهاء والقراء وجعلت لها وقفًا خاص بها،
وكانت مدرسة شرعية تُعنى بتدريس العلوم الشرعية كالفقه. خاصة الفقه الشافعي الذي كان المذهب السائد في الدولة الأيوبية. وكانت مدرسة الفردوس قريبة من باب المقام.يتكون جهاز  العاملين فيها من إمام وعشرين من العلماء. وكان يتبع المدرسة عدة مبان ومسجد وقاعة للدراسات، وساحات تشبه الحرم الجامعي الآن.

وفي فترة ولايتها قامت الملكة ضيفة خاتون بدور كبير في  مواجهة الخطر المغولي والصليبي. وحماية حلب من السلاجقة والخوارزميين كذلك. واستطاعت أن تحافظ على الحكم لحفيدها حتى بلوغه مبلغ الرجال وتسلمه الحكم  .
ودام حكمها حوالي ستة سنوات .
كانت ذات شعبية كبيرة وأحبها الشعب حيث رفعت عنهم الضرائب غير العادلة. وقامت بإجراء النفقات والأعطيات على الفقراء والمحتاجين في المدينة.
واهتمت كذلك بفن العمارة حيث أنشأت العديد من المباني وقدمت الدعم للمعماريين الذين استطاعوا أن يقدموا تحفًا معمارية في غاية الإبداع والجمال.
وفاة ملكة حلب ضيفة خاتون.
أصيبت الملكة ضيفة بالقرحة ، وقوي مرضها ، إلى أن توفيت سنة  1242 م ، فكانت مدة عمرها حوالي تسع وخمسين سنة.
وأغلقت أبواب حلب ثلاثة أيام، وأغلقت الدكاكاين والخانات كذلك. ودفنت في الحجرة بالقلعة، تجاه الصفة، التي دفن فيها ولدها الملك العزيز. 
وهكذا نرى أن حلب ليست فقط أم المحاشي والكبب . وأنما رحم خلف ملكات وعظماء لا يمكن إخفاء ذكرهم  أزهرت في بلاد الشام .وتركت بصمات ذهبية على مجتمعنا  حتى الآن .

د.عثمان مهملات

معروفة جدا