مدينة صنعتها الحروب بالصدفة ( البندقية )

مدينة صُنعت صدفة
ه++++++++++ه
يتخلل التاريخ طغاة سفاحون،
وإن كانوا قد حصلوا على هيبة وطاعة في أزمانهم،
فإن التاريخ لا يتذكرهم إلا باللعن والبغض،
مثل جنكيز خان وستالين وبول بوت وهولاكو،
ومن هذه الزمرة أتيلا الهوني، وهو طاغوت اجتاح أوروبا ونحر شعوبها نحرًا،
حرق البيوت، ونهب الأموال، وأفنى الأخضر واليابس.
اسم "الهوني" يأتي من الشعب الذي حَكَمَه،
وهم قبائل الهون البدوية في أوروبا، لم يعرفوا الحضارة ولا العلم،
بل حياتهم أساسها التدمير والهمجية (مثل التتار في تاريخنا).
وصل أتيلا إلى شمال إيطاليا، وأكمل هجمته الوحشية التي قصد بها الإمبراطورية الرومانية،
التي بعد أن ملأت الأرض بعزها وجبروتها وتفوقها الحضاري والعسكري والتقني انقلب حظها الآن،
ليس على يد إمبراطورية ضخمة، بل على يد شراذم متخلفة من القبائل المترحلة الفقيرة وزعيمها المخيف أتيلا،
الذي ظل يحصد كل ما في طريقه حتى وصل إلى شمال إيطاليا عام 452م،
ولكنه من دون علمه صنع شيئًا إيجابيًا،
ذلك أنه لما هرب الرومان من هذا الغزو الكاسح فروا إلى كل مكان وأي مكان هلعًا،
حتى إلى المستنقعات، ووصلوا إلى مجموعة مهجورة من الجزر شمال البحر الأدرياتيكي،
الذي يقع بين إيطاليا وأوروبا الشرقية. ولما توقف الزحف الهوني لم ينقطع الخطر،
بل أتت على آثار الهون قبائل أخرى طامعة في سحق الإمبراطورية العظيمة ونهب كنوزها،
وزاد عدد اللاجئين إلى تلك الجزر الوحيدة،
ولما كثر الناس وطال غزو القبائل اضطر اللاجئون أن يسكنوا هناك،
وبنوا لهم حياةً ومعيشة، ثم على مدى مئات السنين صنعوا من تلك الجزر ومستنقعاتها تحفًا معمارية
ما زالت حية إلى اليوم يسكنها الناس. أعرفتموها؟

إنها مدينة البندقية! لم تكن إلا ملجأ مؤقتًا للطريدين،
ثم صارت قطعة هندسية بديعة، بنوا فيها أكثر من 400 جسر و200 قناة،
وصارت من مراكز التجارة وقوةً بحرية. تتكون المدينة من 118 جزيرة،
وتبعد 4 كلم عن إيطاليا الأم. وبعد أن كانت مجموعة مستنقعات مهجورة مطبوعة بالأسى والألم والرعب،
صارت مقصد كل سياح العالم اليوم، يزدحم عليها الناس؛
حتى إن الحكومة من فرط الإقبال عليها واكتظاظها الرهيب قررت فرض ضريبة على السائحين!

من صفحة الصحفي سعد بساطة