العشاء الاخير

#العشاء_الأخير..!!!!

#خرج_من_عمله_متأخراً_كعادته.. توقفت سيارة تاكسي إلى جانبه.. لكنه اعتذر إلى صاحبها..
(أولادي أحق بالمبلغ الذي سأعطيه لسائق التاكسي)
هكذا قال لنفسه.. وتابع طريقه إلى منزله البعيد سيراً على الأقدام.. سيستغرق الطريق معه ثلاثة أرباع الساعة إن جدّ السير.. يستغله بقراءة ما يحفظه من القرآن أو ما يتيسر له من الأدعية والأذكار..
كانت وضعه المادي مستقراً نسبياً قبل الأزمة..
جاءت الأزمة فنسفت ما تبقى له من استقرار وعصفت ببيته وبيوت كثير من الناس..
لم يجد مناصاً من العمل لوردية إضافية يومياً ليواجه الغلاء الذي ضرب بأطنابه في البلد واستفحل.. وقضى على الطبقة المتوسطة تماماً.. وحولها إلى فقيرة مسحوقة..

قاطع أفكارَه إشعارٌ من هاتفه.. فتحه ليجد رسالة من ابنه يطلب فيها مبلغ أربعة آلاف ليرة ثمناً لموادّ يحتاج إليها في امتحانه العملي..
نظر في جيبه فرأى أربعة آلاف ومئتي ليرة.. ستفي بالغرض حتماً..
إلا أنه #سيضطر_للمشي إلى عمله ذهاباً وإياباً ما تبقى له من الشهر..
(بعين الله) قالها وتابع سيره مسترسلاً بخواطره وذكرياته..



#في_اللحظة_ذاتها أغلق ابنه هاتفه.. وحدّث نفسه قائلاً: أربعة آلاف؟؟ كان يجب أن أجعلها مقنعة أكثر.. فلتكن المرة القادمة خمسة آلاف وخمسمائة.. هكذا أفضل..
لم يكن والده يعلم أنه طلب هذا المبلغ ليدعو حبيبته الجديدة غداً إلى مقصف الكلية.. لم يجد صعوبة في اختلاق هذه الكذبة.. هو يعلم أن والده لن يرفض له طلباً إن علم أنه من أجل دراسته..
امتحان عملي؟؟
أطلق ضحكة ماكرة.. أي امتحان عملي هذا..!!!
وهو الذي رسب في السنة السابقة ويواجه حالياً #خطر_الاستنفاذ..!!!
ثم أشعل سيجارة وحرك رأسه حركة تدرب عليها كثيراً وهو يزعق بصوته النشاز محاولاً تقليد مطربه المفضل:
(طوّل يا ليل متفارقناش نسّينا كل اللي فات كده بالمرة..
واسهر معانا ياليل متسيبناش هي الحياة هنعيشها كام مرة!!!)

#على_الجانب_الآخر كانت أخته جالسة مع صديقاتها في أحد الكافيهات مستمتعة بوقتها.. مطمئنة إلى جيبها..
كيف لا؟؟ وقد أخذت من أبيها البارحة مبلغاً دسماً ثمن نوط وملخصات وكتب جامعية..
#هل_لاحظت_يدي_أبيها_المتشققتين؟؟
نعم.. لاحظت ذلك.. لكنها لم تلق بالاً للأمر وكأنه لا يعنيها..
هي تعرفهما متشققتين منذ الأزل..
لم يخطر ببالها يوماً أن تتساءل عن السبب..
هل تشعر بتأنيب الضمير؟؟ على الإطلاق..
(إن لم يستطع الإنفاق علي كما يفعل أبو صديقتي فلانة فالذنب ذنبه.. لم يجبره أحد على إنجابي إلى هذه الحياة)
هكذا كانت تقول لنفسها دائماً.. وتُتبع قولها بنظرة متحدية..

وصل الأب إلى منزله متعباً.. استقبلته زوجته بابتسامتها الحانية.. ثم ذهبت مسرعة لتعدّ له طعام العشاء..
شعر بإرهاق لم يعتده من قبل..
فألقى بنفسه على أقرب مقعد صادفه.. ثم رفع قدميه متثاقلاً إلى الكرسي المقابل ليريحهما..
#أتاه_صوت_زوجته_من_المطبخ تخبره أن الأمبيرات قُطعت اليوم لتأخرهم في الدفع..
قابلها بشخرة مضطربة مكتومة خرجت من فمه..
هل غفا على مقعده؟؟ ربما..
لماذا مال رأسه إلى الخلف بهذه الوضعية الغريبة إذاً؟؟
هل هو التعب والإهاق؟؟
اقترِبْ بالصورة قليلاً..
لن تسمع صوت أنفاسه..!!
انظر إلى صدره..
لن تراه يعلو ويهبط..!!
سترى يده سقطت إلى جانبه..
ووقعت منها أربع ورقات نقدية من فئة الألف ليرة..!!!!
يبدو أنه #لن_يذوق حتى #عشاءه_الأخير..!!
يبدو أنه #لن_يتأخر عن منزله بعد اليوم..!!
يبدو أنه #لن_يضطر للذهاب إلى عمله والعودة منه كل يوم..
وحتى آخر الشهر..
#سيراً_على_الأقدام..!!!!!