كرنفال و مهرجان القطن السنوي بمدينة حلب

مهرجان القطن في حلب

ما من حلبي حين يسمع عبارة ( مهرجان القطن ) إلا ويتدفق من خاطره وإحساسه سيل من الذكريات الجميلة الحالمة ، وحديثنا اليوم عن مهرجان القطن بحلب ، لما له من ذكريات منذ أكثر من ستين عاما" ، ولعل الكثير من الحلبيين ، عاصروا وشاهدوا تلك المهرجانات ، وحسب أعمارهم ، وقد دونت ووثقت ما أسعفتني به الذاكرة عبر سنوات العمر ، ﻷقدم لكم الموضوع ، أضف إلى ذلك استعانتي ببعض المراجع .
أقيم أول مهرجان للقطن بحلب عام 1956 م ، لكن أهل حلب احتفلوا به قبل ذلك ، خلال موسم القطاف للذهب اﻷبيض .
تعود زراعة القطن ﻵلاف السنين ، فقد وجدت في سورية آثار لمغازل من الحجر والعظم ، وأثقال من الحجر والطين ، كانت تستخدم اﻷنوال وترجع لﻷلف الثالث قبل الميلاد ، كما أن تاريخ زراعة القطن تعود إلى عهد الكنعانيين ..



تشتهر منطقة حلب والجزيرة بزراعة القطن ، وﻷجله نشأت صناعة حلج القطن ، والغزل والنسيج ، ففي خمسينات القرن الماضي ، ضاهت صناعة النسيج السورية صناعة النسيج اﻹنكليزية ، وكانت زراعة القطن والصناعات تلك ، تؤمن تشغيل أكثر من مليون مزارع وعامل .
ويكون حصاد القطن في شهر أيلول من كل عام ، لذلك كان مهرجان القطن يقام سنويا" بشكل رسمي خلال النصف الثاني من شهر أيلول ، أو النصف اﻷول من تشرين الأول .
تتوقف المواصلات في الشوارع التي سيمر من خلالها المهرجان من الساعة الثامنة صباحا" ، وعند التاسعة يبدأ الكرنفال الرائع ويستمر حتى الواحدة ظهرا" ، وفي المساء يعاد جزء من العرض ، تليه اﻷلعاب باﻷسهم النارية عند ساحة سعد الله الجابري ، والتي كانت ترسم أجمل اللوحات المضيئة في سماء حلب ، وترى حتى من مسافات بعيدة ، وفي اليوم التالي تكرم أجمل عربة شاركت بالمهرجان ، كما يكرم المزارعون والفلاحون والعمال .



وقبل موعد المهرجان بفترة ، كان يتم طرح مسابقة لفناني القطر لتصميم أجمل إعلان ، يتم لصق اﻵلاف منه في جميع شوارع حلب ودوائر الحكومة واﻷماكن العامة ، كما كانت تصدر طوابع بريدية جميلة بهذه المناسبة ، كما أصدرت عملات سورية ورقية عام 1958 تحمل طقوس زراعة القطن من فئات ( 100 - 50 - 25 ) ليرة سورية ، وفي عام 1947 م كانت المائة ليرة تعادل حوالي 45 دولار أمريكي .



يبدأ المهرجان الرائع بحفل كرنفالي من الجميلية ( آخر خط الترام ) ، ثم يمر من خلال شارع القوتلي ، مرورا" بساحة سعد الله الجابري ، حيث ينصب سرادق كبير يحضره راعي الحفل ومسؤولو المدينة ، ويستمر المهرجان نحو سينما فؤاد وحلب والكندي ، ثم ينعطف يسارا" نحو سوق التلل ، ويصل لﻹطفائية ، ونزولا" إلى حي السليمانية ، ويصل لمنطقة الكابري ، وينتهي هناك .
كانت العربات المشاركة من تصميم مصممي اﻹعلانات وفنانين ، كل يتفنن بعربته ، لينال جائزة المهرجان ، ويقف فوق العربات شابات وشباب وأطفال بملابس فولكلورية مع ألحان الموسيقى ، ويصطف الناس على طرفي الشوارع طوال خط سير الكرنفال ، معجبين بما يشاهدونه ، وملوحين بايديهم لتلك الوجوه المشرقة من طلاب المدارس ، وبراعم رياض اﻷطفال ، كما ترافق المهرجان مسيرات الكشافة والفتوة والفلاحين والعمال ممن يعملون بزراعة القطن ومعامل الغزل والنسيج .



إنه مهرجان القطن ، ذلك الكرنفال البهيج بألوانه ، الساحر بوجوه الشباب واﻷطفال ، الذي كنا نسعد برؤيته كل عام في مثل هذه اﻷيام ، ذكريات تداعب الروح والفكر ، وتترك أجمل بصمات النشوة والسعادة لدى كل حلبي ...

منقول من صفحات النت

اه ايام زمان كانت حلوة