الأرقام العربية إلى أوربا و العالم

رحلة الأرقام العربية إلى أوربا

لقد قرأنا جميعنا عن علم الرياضيات والجبر والهندسة عشرات الكتب العلمية , كما قرأنا عن الخوارزمي وجابر بن حيان وإبن سينا والكثيرين غيرهم ..... ممن أضاؤا الحضارة العربية والعالمية بكافة أنواع العلوم . كما قرأنا عن الأرقام العربية التي أصبحت اليوم هي الأرقام التي تتعامل بها جميع شعوب العالم . لذلك أردت أن أبين فيما يلي بعضاً مما قرأته عن رحلة الأرقام العربية إلى أوربا .... وكيف وصلت هذه الأرقام إليها .
إن أول من إستعمل الأرقام العربية في أوربا كان إسمه ( جربرت ) والذي إعتلى كرسي البابوية عام ( 999 ) ميلادي ليصبح البابا ( سلفستروس الثاني ) وكان بذلك أول رجل في الغرب اُعجب بالأرقام العربية وتعلمها بل وإستخدمها .
عاش ( جربرت ) في دير ( أورياك ) جنوب فرنسا عشرون عاماً ثم إنتقل للعيش في برشلونة عند ( الكونت بوريل ) , حيث تابع الإشراف على رعايته هناك الأسقف ( هوتو ) الذي كان على إحتكاك دائم مع الأستذة العرب في إسبانيا والذين تعلم منهم بعدئذ ( جربرت ) نظام الأرقام والأعداد العربية التسعة والرياضيات وعلم الفلك .
كتب ( جربرت ) أرقامه العربية التسعة على نفس اللوح المسمى ( أباكوس ) والذي كانت تكتب عليه الأرقام اللاتينية في عهدي الإغريق والرومان  , ولكنه لم يكن يعرف الصفر وموقعه في الحساب فلم يكتب له ولا لتلامذته النجاح في نشر الأرقام العربية في أوربا .
على الرغم من بقاء الأرقام اللاتينية ( الرومانية ) بعد ذلك هي السائدة في أوربا , إلا أن جربرت يبقى هو أول من تعلمها في أوربا ...... حيث تابعت الأرقام العربية مسيرتها الحضارية في أوربا إلى أن إحتلت مكانتها العالمية ( التي هي عليها اليوم ) وذلك على يد رجل آخر إيطالي من مدينة - بيزا - إسمه (  ليوناردو البيزي ) .

لئن كانت الموجات الحضارية الأولى قد وصلت إلى الغرب عن طريق الأندلس فإن الموجة الثانية أتت من إيطاليا لتغمر الغرب بنور جديد , حيث كان بلاط القيصر ( فردريك الثاني ) مركزاً لذلك الإشعاع كما وأن ليوناردو البيزي كان في طليعة من حملوا المشاعل الحضارية من العالم العربي إلى أوربا .
ولد ليوناردو في مدينة بيزا عام ( 1180 ) التي إزدهرت في تلك الفترة بسبب تجاراتها مع الدول المطلة على البحر المتوسط وأسست لنفسها مراكز تجارية على كامل سواحل البحر المتوسط من قسطنطينية إلى سبتة في المغرب .
إستقدم الوالد إبنه ليوناردو إلى مدينة بجاية ( الواقعة على ساحل الجزائر ) , حيث كان الوالد يعمل فيها كرئيس للمركز التجاري البيزي هناك والذي إعتاد بحكم عمله على التعامل مع التجار العرب ووفق طرق كتاباتهم وحساباتهم العربية السريعة .
رغبة من الوالد بأن يعمل إبنه معه في التجارة فقد أوكل تدريسه إلى معلم عربي ( سيدي عمر ) , وسرعان ما برز نبوغ ليوناردو بسرعة تعلمه كافة علوم الرياضيات من الضرب والتقسيم ... إلى حل المعادلات من الدرجة الثانية وغيرها ...
طور ليوناردو علومه في الرياضيات وذلك خلال عمله التجاري – لاحقاً - وزياراته للكثير من الدول العربية , حيث تردد على مكتبات الإسكندرية ودمشق وناقش كبار العلماء العرب في الرياضيات .... حيث قام ليوناردو عام ( 1220 ) كتاباً شهيراً في علم الرياضيات والذي أعاد فيه كتابة الأرقام العربية التسعة ( التي كان قد درسها وعمل بها الرائد الأوربي الأول للأرقام العربية البابا سلفتروس الثاني ) حيث أضاف ليوناردو إلى هذه الأرقام الصفر ( 0 ) والذي كان يستعمله العرب في حساباتهم .
إسترعى كتاب الرياضيات الذي وضعه ليوناردو إنتباه علماء القيصرالإيطالي فردريك الثاني ( الذي كان مولعاً بالرياضيات وعلوم العرب ) فإستدعوه إلى القصر للتعرف على علومه , حيث إستطاع ليوناردو من إبهار العلماء بغزارة علومه التي يتمتع بها في الرياضيات .... وكان من بين علماء القصر العالم العربي ( ثيودوروس الإنطاكي ) الذي كان قد درس الرياضيات العميقة في المشرق العربي على يد العالم العربي الكبير ( كمال الدين بن يونس ) وذلك قبل رحيله إلى إيطاليا للعمل في قصر الملك فردريك الثاني .
وبذلك أخذت - الأرقام العربية العشرة - بالإنتشار في كافة المدن الإيطالية .... ثم تابعت بعد ذلك رحلتها العلمية إلى بقية المدن والدول الأوربية .

بعد أن إنتشرت الأرقام العربية في إيطاليا كان عليها أن تعبر جبال الألب إلى بقية الدول الأوربية حيث كانت رحلتها شاقة وطويلة ومحفوفة بالعقبات ..... لكن وبالرغم من كل العقبات التي واجهتها هذه الأرقام إلا أنها أثبتت وجودها وبدأت تحل الأرقام العربية بالتدريج محل الأرقام الرومانية التي كانت تشمل صفحات وصفحات عند كتابتها ...... ففي الوقت الذي كان فيه – على سبيل المثال - هذا العدد العربي ( 998 ) يكتب من ثلاثة حروف كان يكتب مطولاً بالشكل
. ( D CCCC L XXXX V III ) الروماني
لقد إستهوت الأرقام العربية الأوربيون نظراً لسهولتها وسهولة التعامل بها , لذلك نرى كيف إتجهت الشعوب الأوربية رويداً رويداً إلى تعلم وإعتماد كتابة الأرقام العربية ..... كما وأن الناس أعجبت بفكرة الخانات الحسابية ( الآحاد – العشرات – المئات ) والتي سهلت عليهم أيضاً وإلى حد كبير إجراء العمليات الحسابية ......
أما بالنسبة للصفر ( 0 ) فقد بقي سراً غامضاً يصعب على الناس فهمه ... فهو لايعني شيئاً لوحده ولكنه يملك قوة سحرية عندما يأتي ( حصراً ) على يمين أي عدد - فيغير هذا الصفر والموضوع على يمين العدد واحد - ليصبح هذا العدد ( 10 ) وإذا وضع صفران على يمين العدد فيصبح هذا العدد ( 100 ) أو ( 1000 ) ...... أما إذا وضع الصفر على يسار أي عدد فليست لهذا الصفر أية قيمة ...... حتى ولو وضعت عشرات الأصفار على يسار أي عدد .
لقد حافظت اللغة الألمانية - فقط - ودون سواها من اللغات الأوربية على قراءة الأرقام من ( 21 - 99 ) وذلك وفقاً للقراءة العربية لهذه الأرقام من اليمين إلى اليسار ( خانة الآحاد ثم خانة العشرات ) .... إذ نرى الفرد في ألمانيا مازال يقرأ – على سبيل المثال – العدد ( 1943 ) مبتداً بالرقم ( 1 ألف ) ثم الرقم ( 9 تسعمئة ) ثم ينتقل - فوراً - إلى اليمين ( خانة الآحاد ) ليقرأ العدد ( 3 ثلاثة ) واخيراً يقرأ العدد ( 4 أربعون ) ..... وتماماً كما نقرأ في اللغة العربية هذا العدد بأنه :
ألف – وتسعمائة – وثلاثة – وأربعون
إحتلت الأرقام العربية بلاد الغرب وقامت بدورها في تطور العلوم والرياضيات والإقتصاد ..... على مر السنين والعصور وذلك بالرغم من أنها إحتاجت إلى عدة قرون قبل أن تخر أمامها الأرقام الرومانية صريعة وإلى غير رجعة .
ولقد ذكرت المستشرقة الألمانية الدكتورة ( زيغريد هونكه ) في مقدمة كتابها شمس العرب تسطع على الغرب :
لقد صممت على كتابة هذا المؤلف , وأردت أن أكرم العبقرية العربية وأن أتيح لمواطني فرصة العود إلى تكريمها . كما أردت أن أقدم للعرب الشكر على فضلهم , الذي حرمهم من سماعه طويلاً تعصب ديني أعمى أو جهل أحمق .