شارع الجميلة شارع السموأل بحلب شارع المرح

* * شارع المرح * * شارع الجميلية ** شارع السموأل

في الخمسينيّات والستينيّات من القرن العشرين نال الجزء الشمالي من شارع السموأل شهرة لافتة، واستقطاباً شبابياً واسعاً دون الشوارع الأخرى في حي الجميليّة، وهو متعامد على شارعي القدسي والفارابي، وقد عرف بين أبناء الحي باسم نزلة السموأل، أو نزلة (شارع السموأل)(1).
لا أدري لِمَ اكتسبت هذه البقعة من الحي في تلك الفترة من الزمن الجميل هذا الزخم من التفرد والشهرة، فقد تميزت بخصائص وفعاليات متعدّدة، إذ باتت قِبلة لصبيان المحلة وفتيانها للمشاركة في النشاطات المتنوعة التي كانت تقام فيها، أو على الأقل للظفر بالمتابعة أو الفرجة اللتين كانتا تحققان لهم المتعة والبهجة، ومن هذه المنافسات لعبة (البتيناج)(2)، وركوب الدراجات الهوائية، وغيرها، وسنقوم الآن باستعراض نفحات عطرة من أيام هذا الشارع البهيجة، ربما يعيننا ذلك على نفض شيءٍ من الغبار عن ذاكرته المنسية.
منافسات لعبة البتيناج
تأتي هذه اللعبة الشائقة على رأس قائمة المنافسات التي كانت تجري في نزلة شارع السموأل، وقد حظيت بشهرة لافتة في زمانها نظراً لأسباب عدّة، منها أنّها لعبة وافدة جديدة، كما أنّها تتيح لممارسيها فسحة من الحركة والمغامرة والمتعة لا تتوافر في الألعاب الشعبية الأخرى، غير أنّها تحتاج في البداية إلى جرأة ومهارة فائقتين للمحافظة على التوازن والاستقرار، ثم بلوغ درجة الشطارة والاستعراض البهلواني في المرحلة التالية.
من أهم الأشخاص الذين نالوا قصب السبق في هذه اللعبة يبرز اسم شابين من المحلة، أحدهما من أسرة النعّال، والآخر هو (سموح حقّي)(3)، وهذا الأخير برع في تأدية حركات بهلوانية وقفزات خطرة في الهواء، ليس لها إلّا أن تسرق الشهقات وآهات الإعجاب من صدور المتابعين والمريدين على حد سواء.
منافسات الدراجات الهوائية
تتعدد حركات المجازفة والإبهار في جولات التحدي بالدراجات الهوائية، على أنّه غالباً ما يتوحد محبو هذه الهواية مع دراجاتهم فيقهرون حينئذ مشاعر الخوف والرهبة، كأن ينطلقوا بدرّاجاتهم على نحو متسارع دون أن تلامس أكفهم مقاودها، أو أن يرفعوا إحدى عجلاتها في الهواء، وربما تصل بأحدهم الجرأة إلى أن يقف على مقعد دراجته وهي تنزلق بشدة فوق إسفلت نزلة السموأل.
يعدّ مدحت بازرباشي واحداً من أهم نجوم الاستعراض على الدراجات الهوائية، حيث دأب على تأدية أصعب الحركات البهلوانية وأخطرها، فكانت تتناثر حيالها علامات الدهش والذهول، سواء من الأبصار المنتشرة على طرفي الشارع، أو تلك المترقبة خلف النوافذ والشرفات المجاورة، وفي هذا الميدان لاضير من ذكر اسم الشابين سري يمليخا، وبسام مقيد، حيث تمكنا من تحقيق بعض النجاحات على حساب صديقهما مدحت الذي كان ملكاً متوّجاً في عالم الدراجات الهوائية.
موسم الأعياد
اعتاد عدد من الأشخاص نصب "الجوجحانات والزحليطات والقلابات" في نهاية نزلة السموأل إزاء اقتراب موعد الأعياد، فترى الأولاد والصبية من الجنسين يتوافدون إلى هذه البقعة من الحي زرافات ووحدانا، والفرحة والنشوة تسبقان خطواتهم المتحفزة، إضافة إلى انتشار البائعين المتجولين على أطراف الشارع خلال تلك الأيام السعيدة، الذين دأبوا على نثر البهجة والسعادة في عيون الأولاد مقابل "فرنكات" بسيطة، حيث اعتاد الصبية إنفاق عيدياتهم وخرجياتهم وهم فرحون وممنونون.
لا تقتصر فرحة العيد على "الجوجحانات" والأكلات الشعبية فقط، فثمّة ألعاب أخرى تنشط في تلك المناسبات، مثل فرد الكبسون، وفرد الطابو، وأنواع الفتّاش، وغيرها الكثير.
إنّ الشيخ سعيد الفارسي واحد من أولئك الذين زرعوا السرور والمرح في عيون الأطفال والناشئة، حيث غالباً ما كانت تظهر رقّة مشاعره حين يسمح للأولاد بالاستمتاع "بدور الشحمة" على متن جوجحانته المعدنية الصغيرة.
كما لا يفوتنا أن نذكر السيدة (الضبنية)(4) التي امتلكت حضوراً فريداً في هذا الجزء من الحي من خلال زيّها الغريب وسلوكها العجيب.
مسابقات كرة القدم
إنّ هذا الشارع الأثير كان له أيضاً نصيب وافر من تجليات اللعبة الشعبية الأولى، فمسابقات كرة القدم بين فرق حارات حي الجميليّة كانت تقام بين أحضانه على نحو شبه دائم، ولا تحتاج هذه اللعبة لكثير من الشرح والتفسير فهي ساحرة القلوب، وشاغلة العقول.
كما يطيب لي أن أشير إلى أنّ الفنان القدير عمر حجّو وزملاءه الممثلين المعروفين محمد طرقجي وأحمد عدّاس وبشار القاضي وغيرهم كانوا يتبادلون الأحاديث الطريفة والقفشات المرحة مع صبيان الحارة وفتيانها خلال عبورهم شبه اليومي إلى مقر نادي شباب العروبة القديم الذي كان موجوداً بالجوار، في الفسحة المحصورة بين بناية الكوزم وبناية الصلاحية.
في الختام أعتقد أنّ هناك عوامل أخرى جعلت من شارع السموأل ساحة جاذبة لأنواع مختلفة من اللهو واللعب في ذاك الزمن البسيط والدافئ، منها وجود سينما الفردوس في نهاية الحارة جهة شارع إسكندرون، إضافة إلى صالة "البلياردو" و"البيبي فوت" التي كانت تحتل الطابق الأرضي من بناية الضالع في آخر النزلة أيضاً، إضافة إلى قاعة أبو العز لكرة الطاولة المسترخية في القبو تحت صالة البلياردو.
في النهاية يسعنا القول إن نزلة السموأل تستحق أن نطلق عليها لقب شارع المرح والألفة والمحبة في حي الجميليّة.

1. شارع السموأل: هو الحارة الرابطة بين شارع القدسي وشارع البحتري وشارع الفارابي، يتوزع على جنباته فيض من الأماكن الأهلية والعامة ذات الطابع الخدمي المتنوع، وذلك على الرغم من أنّه شارع فرعي صغير، تنتصب في بدايته على اليمين جهة شارع القدسي عمارة أسرة بدرخان التي تحولت إلى مشفى بدرخان إثر إزالتها، يليها بناية أسرة السباعي التي ينحدر منها الأديب الكبير فاضل السباعي وأخوه القاص نادر السباعي، وبعد تجاوز مفرق شارع الزهراوي يقابلنا كنيس سيلفيرا والسكن الملحق به، ثم يأتي مبنى أسرة صفرا الموسوية إثر تخطي مفرق شارع العسلي، نمر تالياً بجوار ثانوية بني حمدان الخاصة للبنين، ثم في إحدى زوايا تقاطع شارع السموأل مع شارع البحتري تواجهنا بناية صلاحية التي شغلتها فترة طويلة من الزمن مدرسة الإليانس الخاصة، ومن بعدها نتابع المسير بمحاذاة عدّة أبنية تراثية وهي أغلب الظن كانت تابعة حين إنشائها إلى قصر علي محسن باشا الذي آلت ملكيته لاحقاً إلى الحاج عبد الله صلاحية، وتنتهي نزلة السموأل عند شارع الفارابي، في حين تستوي في الجهة اليسرى من الشارع مدرسة الوليد بن عبد الملك الابتدائية، يليها مبنى آل الحسن التي احتلت الطابق الأرضي منه سنوات عدّة ثانوية بني أمية العلمية للبنين، ومن ثًمّ نمرق بجوار عدد من العمائر السكنية، إلى أن ينتهي بنا المقام في أحضان شارع الفارابي.
2. البتيناج: يحتاج المرء إلى زوجين منهما (فردة لكل قدم)، وهو عبارة عن جهاز للتزحلق الشخصي، يتألف من قاعدة معدنية قابلة للحركة لاستقبال أحجام الأقدام جميعها، وتكون مثبتة فوق أربعة دواليب معدنية صغيرة، ومزودة بأربطة من الأعلى لتثبيت القدم بعد وضعها على سطحه.
3. سموح حقّي: كان لاعباً في فريق كرة الطائرة بنادي حلب الأهلي، وأحد أبطال رياضتي الوثب العالي، والسباحة الحرّة، ونشير إلى أنّ والده كان مدرساً لمادة التاريخ في ثانوية المأمون، وهو الأستاذ إسماعيل حقّي.
4. الضبنيّة: جرى الحديث عن هذه الشخصية الطريفة في مكان آخر من الكتاب.

الصورة حديثة تبرز التشوهات الاجتماعية والتراثية والجمالية التي طرأت على نزلة شارع السموأل إثر إزالة أبنيته التقليدية البديعة وإقامة عمارات سكنية ضخمة مجهولة الهوية بدلاً عنها.
* * *

منقول من صفحات الفيس
إياد جميل محفوظ