رولو زعيم الفايكينج و مملكته

كان رولو مـعروف كونه زعيم الفايكينـج الذين عاشوا بين القرنين التاسع والعاشر الميـلادي، ومن المـعروف أيضاً أنّه أصبح حاكماً لنورماندي، لذلك يُشار إليه أحياناً باسم دوق نورمانديّ الأول.


أصبح رولو جُزءاً من الثقافة الشعبيّة للفايكينج، وذلك بفضل المسلسل الشهير Vikings، وقيام الممثل كليف ستاندين بدور رولو، ولكن ما كان في المسلسل كان سرد خياليّ إلى حد ما لشخصيّة رولو الحقيقيّة.


يُعرف رولو أيضاً باسـم رولون: بالفرنسـيّة، رو: في نورمان، هرولفر: بالنـرويجـيّة القـديمة، وهُناك الـعديد مـن المـصادر المكتوبة خلال العصور الوسطىَ عن حياة رولو، مُعظم هذه المصادر كتبها نرويجيّون، أو دانماركيّون، وتـمّ العـثور أيضاً على سيرة رولو في التاريخ الرسميّ من النورمان، الذي كتبه القدّيس دودو خلال أواخر القرن العاشر الميـلاديّ، في عام 986م، والذي تم توظيفه فيما بعد من قِبَل ريتـشارد الأول حفيد رولو، وذلك لكتابة تاريخ دوقات النورمان بين عاميّ (1015-1026م).


يُعتقد أنّ رولو قد ولد حوالي عام 860م، على الرغم من أن مكان ميـلاده غير واضـح، لكن على الأرجـح أنّـه قد ولد في المنطقة الاسكندنافيّة، وفي غالب الأراء، أنّه في النرويج أو الدنمـارك، وفقاً لدودو على سبـيل المـثال، قـال أن رولو جاء من منطقة داسيا المُحاطة بجبال الألب في أوروبا الشرقيّة، فقام البعض بتفسير هذا على أنّه جاء من الدنمارك.


رُبّما كان رولو دنماركيّاً أو نرويجيّـاً، الا أنه طُرد بالتأكيد من وطنه بحسب ماجاء في كتابات دودو، حيث أن ملك داسيا كان مُعادياً لعائلة رولو، وعـندما توفي والد رولو –والذي لم يُذكر اسـمه مـثل الملك– خلـفه ولديه رولو وغـوريم، حيث اعتبر الملك وفـاة والد رولـو فُرصة للإسـتيلاء على أراضيه، والإنتقام من الأبناء بسبـب أفعال الأب، وفـي نهاية المطاف هاجم الملك رولو وعائـلتة، لكـنه كان غـير قادر على إلحاق الهزيمة به، ونتيجة لذلك استمرّت الحرب لمُدّة عام تقريباً.


أدرك الملك أنّه لن يتمكّن من غزو منطقة رولو بالقوّة، لذلك لجأ إلى الخداع وتظاهر بصنع السلام مع عدوّه، وقد رحّب رولو بعرض صنع السلام وهو غير مُدرك تماماً لخيانة الملك المقصودة، وعندما حلّ الليل، هاجم الملك رولو مرّة أخرى، وأقام كميناً بالقُرب من أسوار المنطقة، تظاهر الملك بالهرب من رولو، وبمجرد أن خرج الأخـير من مـنطقته، وقع بالفخّ حيث وجد نفسه عالقاً بين جيشين، وقُتِل العديد من رجاله بما في ذلك شقيقه غوريم، لكن لحسن الحظ تمكّن رولو من الفرار من داسيا، وقام بالإبحار إلى جزيرة سكانيا مع رجاله المُتبقّين ليتأقلم مع حياة الفايكنج وغاراتهم.


عاش رولو خلال حـقبة في الـتاريخ الأوروبيّ، عُرفت باسم عصر الفايكنج، واستمرّت هذه الحقبة تقريباً من نهاية القرن الثامن الميلاديّ، حتّـى القرن الحـادي عشر الميلاديّ، وخلال هذا العصر، حقق المهاجمون الاسكندنافيّون الفايكينج، مثل رولو ثرواتهم بنهب المواقع الساحليّة.


على الرغم من أنّ الجُـزر البريطانيّة قد عـانت أكـثر من هذه الغارات، إلّا أن الفايكـينج أقدمـوا أيضـاً ناحية البرّ الأوروبيّ،  حيث وصلوا إلىَ مناطق بـعيدة مثل شَـرق أوروبا، ومع ذلك لم يكن للفايكنج تأثير كبير على أوروبا القاريّة، كما يبدو أنّ أنشطتهم في أوروبا الشرقيّة كانت أقل عُنفاً مِمّا كانت عليه غرباً في الجزر البريطانيّة، وأصبح الفايكينج بنهاية المطاف مستوطـنين في أوروبـا الـقاريّة، ومن ناحـية أخـرى لم يكن الفايكنج ناجحين في إقامة المستوطنات، باستثناء رولو.


بالرغم من أنّ رولو قـام بتأسيس نورماندي في فرنسا.الّا أنّه لم يكُن بالتأكيد أوّل فايكينج يُهاجم فرنسا، أو غرب فرانسيا، فمن المعروف أنّ غارات الفايكينج على فرنسا قد حدثت في وقت مُبكّر من نهاية القرن الثامن، عـندما كانت فرنسا جزءاً من الإمبراطوريّة الكارولنجية، إذ شـيّد الإمـبراطور شارلمان دفاعات ساحليّة لحماية مملـكته، وعـلى الرغـم مـن أنّ هذه الدفاعات قلّلت من عدد غـارات الفايكنـج، إلّا أنّـها لم توقفها تماماً، وكانت هناك واحـدة من أشـهر غـارات الفـايكنـج على فرنسا، حصار بـاريس عام 845م، حيث حـاصر نحو 5000 من الفايكنج باريس، وقد وصل الفايكنج إلى باريس عبر نهر السين على متن 120 سفيـنة بقيادة زعـيم يٌدعى راغنار، أو راغنهيروس، والذي يُعرف أيضاً في ملاحم أساطير الفايكنج باسم (راغنار لوثبروك).


في العقود التاليّة قام الفايكنج أيضاً بغارات أخرى على غرب فرانسيا، وتعرضـت باريس نفسـها للهجوم ثلاث مرّات أخرى، ولم ينسحـب الفايكنج الّا إذا هُزِمـت جـيوشهم، أو تدفع لهم فرنسا فدية كبيـرة، وفي الوقت نفـسه، إتّخذ الفرنجة تدابير لردع هذه الغارات، في عام 864م على سبيل المثال، تمّ بناء جسرين للمُشاة يعبران السين إلى باريس، بالإضافة إلى ذلك، تمّ تطوير حصن المديـنة بشكل أكبـر لردع قـوات الفـايكـنج، وتمّ اختبار هذه الإجراءات الدفاعـيّة في عام 885م، عندما هاجم الفايكنج باريس مرة أخرى ..


على الرغم من أنّ باريس كانت مُحصنّـة بشكل جيّد، إلّا أنّ مملكة غرب فرانسيا قد أصبـحت أضعـف في السنوات التي سبقت (885 م)، فعلى سبيل المثال، تـوفي تشـارلز في عام 877م، وخلفه عدد من الملوك الذين لم يدوموا طويلاً، فرأى الفايكنج ضُعف الفرنجة كفُرصة لمُهاجمة باريس مرّة أخرى، وأصدر الفايكنج بقيادة سيجريد، وسينريك، ورولو مطالبهم في البداية للملك تشـارلز فات، والذي كـان أيـضاً إمبراطوراً رومانـيّاً مُقـدّساً، وعنـدما لَـم يتـم تلبية هـذه المطالب، شنّ الفايكنج هجوماً على باريس.


أشرف على الدفاع عن باريـس، الكـونت أودو، حيـث استعدّ لوصول الفايكـنج، فقام بـبناء برجين لحـراسة الجسور التي تـم بناؤها مسبقاً في عام 864م ..

وصل الفايكنج في نـهاية نوفـمبر 885م، وعرضـوا مطالبهم للمرة الثانية، ولكن تم رفض هذه المـطالب مرة أخرى، لذلك بدأوا بمحاصرة المدينة، وكانت أكبر عقبة أمام الفايكنج هي الجسرين، أحدهما من الحجر والآخر من الخشب، ونظراً لأن الجسر الخشبي كان أضـعف الاثنـين، فـقد ركّـز الفايكنج كُلّ جهودهم هناك، وحـاولوا تدمير الجـسر الخشـبي عن طـريق إحراقه بالقوارب المحترقة، لكن على الرغم من أن الجسر لم يتم تدميره، إلا أنّه تم إضعافه، وبعد ذلك، تسبّبت الفيضانات بعد هطـول أمطار غـزيرة في إسقـاط الجسر، حيث تم عزل البـرج، وسرعـان ما استـولىَ علـيه الفايكـنج، باعتـقادهم أنّ آلهتهم قد ساعدتهم على هذا ..

لكن المديـنة كانت لا تزال قائمـة، وبدلاً من مهاجمة باريس، بـدأ الفايكنج بنهب الريف المحيط بالمدينة، وهذا قد أعطى المدافـعين فرصة لتجـديد إمداداتهم، وطـلب المساعدة من الخارج، وبعد فتـرة أدرك سيجـريد أنّه كـان من المُـستحيل عليه مواصلة الحصار، لذا طلب فـدية صغيـرة، حوالي 60 ليفر من الفضة، وتم منحه أيّاهم، وسحب جيشه، لكن رولو استمرّ هو ورجاله في الحصار مع بعض المجموعات الأخرى، وخلال فصل الصيف، قام الفايكنج المتبقون بمحاولة أخيرة للاستـيلاء على المدينة، لكِنّهم فشلوا بعد وقت قـصير مع وصول الملـك تشارلز فات مع جيشه وحاصر المحاصرين ..

وبدلاً من محاربة الفايكـنج، قرّر تشـارلز أن يـدفع لهم 700 ليفر من الفضة لرفع الحصار، وافقت كُل المجموعات، حيث أخذوا الفضة وانسحبوا إلى بلادهم، وانسحب رولو ورجاله أيضاً، لكـن لم ينسحـبوا إلى بلادهـم، بل إلـى غـرب فرنـسا، حيث تجهّز رولو هناك مع مجموعته في وادي السين، ومن هناك حـاول مُـهاجمة باريـس ولكنّـه فشـل، وحـاول بـعدها محاصرة تشارلز، وانتهي أيضاً ذلك بالفـشل، وقرّر بعد ذلك الملك تشارلز أنّـه بـدلاً من مـحاولة التخلّـص من رولو، فقد يكون الأفضل عقد اتـفاق مـعه، ونتيجـة لذلك تمّ التـفاوض على مُعاهدة سان كلير سـورإبت بين الجانـبين عام 911م، بامتلاك رولو إقطاعيّة وجزءاً من فرنسا، لكن كان على رولو التخلّي عن طُرق الفايكينج، وأصبحت هـذه المنطقة تُعرف بإسم نورماندي وشعبها نورمان، إشارة إلى الفايكنج، بإسم نورثمن، وهـكذا لم يعد رولـو عـدوّاً لملـك الفرنجة، بل أحد أتباعه.

وفقاً دودو، فقد مُنح رولو جيزيلا إبنة شارل الثالث (تشارلز) للزواج من أجل إبرام المـعاهدة، ويروي دودو أيـضاً قصة أنّ تشارلز طـلب من رولو تقبيل قـدم تشـارلز ليثبـت ولائه التام وخضوعه له، ونظراً لأن هذا كان يُنـظر إليه على أنّها وسيلة لإذلال رولو، فإنّه لم يكن سعيداً بذلك، وتمّ التوصّل إلى حلّ وسط، كـان على أحد رجـال رولو أن يُقـبّل هو قدم تـشارلز، ومع ذلك لم ينحني الرجـل الذي سيُقبّل قدم الملك، بل رفع ساق الملك وقبّله بقدمه، وبطـبيعة الحال سقـط الملك، مِما تسبّب في الكثير من التسلية بين الناس في الحفل.

توفي رولو في حوالي عام 932 ميلادياً، وأنّـه وفـقاً لدودو، فإن رولو قام بتسلـيم سُلطته لإبنه ويليام الأوّل قبل وفاته بقليل، وتُشير بعض المصادر إلى أنّ رولو اعتنق المسيحيّة، ويزعم البعض أنّه ظلّ وثنيّاً حتى وفـاته، وازدهـرت سلالة رولو في القرون اللاحـقة، وقـام النورمان بتوسـيع نطاقهم، وأقاموا سلالات مَلَكيّة في إنجلترا، وجنوب إيطاليا (مملكة صقلية)، وفي الشرق الادنى و امارة أنطاكية