الطب الشعبي في حلب الختانة وآل قطاية (الطبيب سلمان قطاية)

الطب الشعبي في حلب الختانة وآل قطاية (الطبيب سلمان قطاية)
✦✦✿✦•••✦✿✦✦✿✦•••✦✿✦✦

✿✦ آل قطاية أسرة حلبية عريقة, عرف أبناؤها منذ زمن بكونهم ختانين يقومون ببعض المعالجات الطبية كالجراحة الصغرى وبعض الأمراض الجلدية, والختان عادة قديمة معروفة لدى معظم شعوب الأرض ما عدا الأوربيين والعرق الأصفر, وأقدم من عرفها هم المصريون القدماء وسكان الحبشة. وكانت معروفة لدى العرب قبل الإسلام واستمرت من بعده عند المسلمين, لذا فالأتراك يسمونها (سنت) والختان (سنتجي).

✿✦ كان الختان يعتبر حفلة اجتماعية ذات أهمية خاصة إذا كان الصبي وحيدا أو جاء بعد انتظار طويل, فكانت تزين واجهات الدور بالسجاجيد, ويصنع قوس نصر من الخشب المزين بالزهور وأغصان الأشجار والورق الملون وأحيانا بالمصابيح. ويدعى أعضاء الأسرة جميعا مع الأصدقاء والجيران وتنحر الذبائح وتقام الولائم.
يلبس الطفل رداء أبيض فضفاضا عريضا يسمح له بالحركة بشكل مريح ويضع على رأسه طربوشا أحمر مزينا بقطع من ورق الذهب, وكان بعض الأغنياء يدعون جوقات موسيقية مع مغنين ومغنيات لإحياء حفلة غناء وسمر. ويتقبل الختان استقبالا جيدا ويتصدر المكان ويجزل له ولمساعده العطاء حسب كرم وأريحية والد الطفل.

✿✦ اشتهر آل قطاية ببراعتهم ومهارتهم وسرعتهم في إجراء الختان دون مضاعفات واختلاطات, وكان كل منهم يعلم المهنة لأبنائه, فكان هذا منذ صغره يلازم اباه فيرشده ويطلعه على أسرار المهنة, فيرافق الوالد أباه ويساعده, فيحمل حقيبته ويمسك بالطفل ويتلقى البخشيش مما يتكرم به أهل المختون.

✿✦ ويذكر الدكتور سلمان قطاية ان جده نور قطاية كان مجازا في الختان من الأستانة واشتهر بسرعته الفائقة في إجراء الختان رغم أنه كان أعسر ويقال انه كان في استطاعته إجراؤها وعيناه معصوبتان, وكان يلقب بستنجي باشي ( رئيس الختانين) وكانت دكانه في السويقة وظلت مقصدا للناس فيما يخص الختان حتى عام 1968 امتدت الى أكثر من ثمانين عاما, وتسلم الدكان بعد وفاته جد والده عزت قطاية.

✿✦ انتشرت شهرة حلب بالختان وخاصة آل قطاية, وكان جده يدعى للقيام بالختان من قبل وجهاء المدن السورية واللبنانية, وحين حضوره ينزل ضيفا عند الوجيه, فيرسل الوجيه مناديا ينادي في الأزقة والساحات (ابن قطاية قد حضر وهو في دار الوجيه) فيحضر اليه التاس أطفالهم فيقوم بختان العشرات , وكان يجرى في الأعياد.
وصلت شهرة آل قطاية الى الأستانة, فطلب السلطان عبد الحميد أحدهم لختان أطفاله, فذهب أخو جده (محمد قطابة) فسر السلطان وانعم علية بعطايا جزيلة ومنحه وساما ولقب باشا وجعله الختان الخاص بالقصر الملكي.
 
✿✦والى جانب الختان كان آل قطاية يقومون بمعالجة بعض الأمراض الجلدية, وكان آل قطاية أمهر من شخص وعرف حبة حلب , وكانوا يستعملون مراهم من النوع المسمى بشمعيات جالينوس وتتألف من خليط الشمع العسلي والاصطناعي مع زيت السيرج فيصبح كتلة لينة كالفازلين. وكانوا يمزجون معه اوكسيد الزنك فيصبح المرهم الابيض ومع الأكتيول فيصبح المرهم الأسود ومع الكبريت فيصبح المرهم الاصفر.

✿✦ولآل قطاية علاج خاص هو اللزقة وهي عجينة من عدة مواد كيميائية منها القلفونة, وقد أخذ سرها عن أحد الأطباء الهنود لتلصق على الدمامل والخراجات لتسرع تفجيرها وحمايتها من المضاعفات. وكان آل قطاية يقومون بأعمال التمريض كزرق الإبر والضمادات وتفجير الخراجات وخياطة الجروح وقص لجام اللسان.

✿✦لم يتجاوز آل قطاية نشاطهم هذه الحدود ولم يزاولوا الطب الداخلي, في حين جده أرسل والده الى الأستانه لدراسة الطب لكن لصوصا اعترضوا طريقه فسلبوه ما كان معه فاضطر للعودة والبقاء مع أبيه. ولا يزال آل قطاية يزاولون مهنة الختان والتمريض بعد حصولهم على شهادات رسمية حكومية منهم (عادل ونديم وشكيب).

✿✦ لقد كان لآل قطاية أهمية كبرى في الحياة الشعبية الطبية الحلبية, وظلوا فترة طويلة من الزمان يقدمون خدمات جليلة في وقت كان الجهل فيها ساندا ولم يكن في حلب الا عدد ضئيل جدا من الأطباء فكانت دكاكينهم كمستوصف شعبي بسيط, واستطاعوا كسب ثقة الشعب ومحبته.
✦✦✿✦•••✦✿✦✦✿✦•••✦✿✦✦
- المصدر : صفحة جمعية العاديات 
بقلم :الدكتور محمد خواتمي